الثلاثاء 22 حزيران (يونيو) 2004
قارىء عابد زاهد ..حباه الله صوتا متميزا ..في صوته رنة حزن شكلت مع قوة نبرات صوته مسبحة خشوع عظيم لإيمانه بما يتلو ..لم يستمع إليه أحد إلا أحب صوته ولم ينسه على الاطلاق ..قرار عميق وجواب سليم ..صوت يدخل القلب ويستقر فيه.
والشيخ محمود أحمد عبدالحكم من مواليد قرية الكرنك مركز أبو تشت محافظة قنا بصعيد مصر يوم الاثنين 17 ربيع أول 1333 هـ أول فبراير 1915 م ..نشأ في أسرة متدينة ..فوالده الشيخ أحمد عبدالحكم أحد أشهر علماء بلدته المشهود لهم بالعلم والحكمة يحبه الجميع ويقدرون علمه. قيل أن له مكانة دينية وأدبية كبيرة. الحقه أبوه بكتاب القرية منذ صغره فأتم حفظ القرآن قبل العاشرة من عمره تعلم خلال تلك الفترة أصول القرآءة وقواعدها فكان يرتل القرآن ويجوده وسط تشجيع أهله وفرحتهم الغامرة بحلاوة صوته وإتقانه القرآءة دون رهبة فشجعه والده على الاستمرار في تحصيل علوم القرآن فألحقه بالمعهد الأحمدي بمدينة طنطا... مكث به عامين ثم ألتحق بالأزهر الشريف بالقاهرة ينهل من علمه عامين آخرين. وكما غزي القاهرة طلبا للعلم فقد غزي عقول وقلوب مستمعيه من أهلها بصوته الشجي فنال حبهم فوهب نفسه لخدمة القرآن زهدا في عرض الدنيا ولينشر لواءه في مشارق الأرض ومغاربها إبتغاء مرضاة الله ملتزما بالآداء السليم. فكان يدعي للعديد من الحفلات بمحافظات الوجه القبلي والبحري وبلغت شهرته مداها حتى أصبح من قراء عصره المتميزين فتقدم لإختبار القراء بالاذاعة عام 1937 م واعتمد بها وذاعت شهرته بعد ذلك الحين في العالمين العربي والاسلامي. وفي نفس العام عين قارئا بمسجد السيدة نفيسه فكانت الاذاعة تنقل العديد من الحفلات من مساجد آل البيت فذاع صيته في الاذاعات العربية والاجنبية واذاعات الشرقين الادني والاقصي عام 1940 م وأصبح قارئا مرموقا وظل حتى رحل عن دنيانا في سبتمبر عام 1982 م في صمت وهدوء وسط تجاهل أجهزة الاعلام بهذا المقرىء الكبير الذي بموته خسرت مصر والعالم الاسلامي حقا قارئا عظيما من حملة كتاب الله وخدام بيوته ورحل دون وداع .
• الأستاذ محمود صادق ( زوج ابنة الشيخ محمود عبدالحكم ) ..ما هو الأجر الذي كان يتقاضاه الشيخ محمود عبدالحكم مقابل إحياءه السهرات الخارجية ؟
– لم يكن رحمه الله من الذين يحبون المال ويكنزونه وكثيرا ما كان إذا دعي لاحياء ليلة مأتم مثلا يرفض فرض أي مقابل مادي بل كان ينفق من جيبه الخاص على القائمين على الخدمة في المأتم كالفراش والقهوجي والكهربائي وغيرهم , ولا ينظر للمبلغ الذي يعطي إليه بل يضعه في جيبه دون عد.
• كيف بدأت علاقته بالاذاعة ؟
– في عام 1940 شارك مع عظماء التلاوة المشايخ علي محمود ورفعت والصيفي وغيرهم في انشاء أول رابطة لقراء القرآن الكريم فاختير أمينا للصندوق بها قبل أن يتقدم للامتحان أمام لجنة أختبار القراء بالاذاعة وأثناء تلك الفترة شجعه الشيخ محمد رفعت وطلب منه التقدم لاختبار الاذاعة فكان ذلك وتم إعتماده بها في عام 1944 م بعدها مباشرة تم تعيينه بمسجد الاشراف بالغورية ثم انتقل الي مسجد السيدة نفيسة قارئا للسورة واختير عضوا بمشيخة المقارىء المصرية برئاسة الشيخ عامر السيد عثمان في عهد الدكتور زكريا البري وزير الاوقاف الاسبق.
• ماهي وظيفة تلك المشيخة ؟ ومن هم أعضائها ؟
– تم إنشاء تلك المشيخة لبحث كيفية النهوض بخدمة كتاب الله الكريم قرآءة وتلاوة وحفظا وتفسيرا وطباعة وتسجيلا وتحويل جميع المساجد في مصر إلى مقارىء تبدأ بالتحفيظ , وقد شكل للمشيخة مجلس اعلي يضم الدكتور بدران وزير الصحة الاسبق وكان وقتها رئيسا لأكاديمية البحث العلمي والتكنلوجيا والدكتور تمام حسان عضو مجمع اللغة العربية والدكتور عبدالصبور شاهين الأستاذ بكلية دار العلوم والشيوخ محمد الغزالي وعبدالفتاح قاضي والقراء محمود البنا وعلي حجاج السويسي ومحمود عبدالحكم ومحمود الطبلاوي وذلك إلى جانب مراقب عام شئون القرآن الكريم بوزارة الاوقاف ومدير عام إذاعة القرآن الكريم.
• في عام 1965 م وعند زيارة الشيخ محمود عبدالحكم لدولة الجزائر تعرض لحادث إنقلاب السيارة التي كان يركبها وتوفي كل من فيها وكتب الله له النجاة وحده ..ماذا عن سبب تلك الزيارة ؟ وكيف وقعت الحادثة ؟ وماذا قال الشيخ محمود بعد نجاته وحده ؟
– كانت دعوه من وزير الاوقاف الجزائري لإفتتاح أحد المساجد في شهر رمضان وفي الطريق إلى المسجد انقلبت السيارة به وبمرافقيه من كبار المسئولين بوزارة الاوقاف الجزائرية فأصيب الشيخ ونقل إلى المستشفي وظل بها مدة شهر تقريبا ثم عاد إلى القاهرة وكانت مفاجأة له عندما علم بموت مرافقيه صرعي بسبب الحادث ولم يكتب لغيره النجاة ومنذ ذلك الوقت والشيخ متوعك الصحة ولكنه يقول بقلب يملأه الايمان : في سبيل تلاوة القرآن وخدمة كتاب الله يهون كل شيء وقد عزف رحمه الله عليه عن التحدث عن هذه الحادثة حتى لا يقال أن الشيخ إستثمرها في الدعاية لنفسه وعاش بعدها سبعة عشر عاما يواصل خدمته للقرآن الكريم ويسجد لله شاكرا على نجاته قارئا للسورة بمسجد السيدة نفيسة حتى توفاه الله .
• ماهي الدول العربية الاسلامية التي زارها وسجل القرآن لإذاعاتها؟
– طاف معظم بلدان العالمين العربي والاسلامي إحياء لليالي رمضان الكريم فزار كل البلاد العربية بلا استثناء كالسعودية والامارات والبحرين والكويت وقطر وعمان وكل دول الخليج كما سافر إلى الصومال والسودان والمغرب كذلك الهند وماليزيا والملايو وسنغافورة وسيئول بكوريا الجنوبية.. وقام بتسجيل المصحف المرتل بدولة الكويت الشقيقة عام 1980 م كما سجل لاذاعات باكستان والهند واندونيسيا وكوريا وقطر وتركيا والمغرب والسعودية والتي كان دائم التردد عليها بين الحج والعمرة كما أن له تسجيلا في بعض الاذاعات الاجنبية التي تبث برامجها باللغة العربية مثل اذاعة لندن وصوت امريكا.
• هل كان الشيخ محمود عبدالحكم يجيد فن التواشيح ؟
– نعم وكان يرددها كثيرا في المناسبات الخاصة والتي تضم العديد من محبيه وله العديد من التسجيلاتالتينحتفظ بها .
• لماذا لم يحقق الشيخ محمود عبدالحكم شهرة واسعه كغيره من مشاهير القراء ؟
– لقد كان الشيخ شديد الحياء والخجل وعظيم التواضع زاهد في الدنيا لدرجة كبيرة ورغم أنه كان من قراء الصف الاول الا انه كان يفضل عن الاضواء وصداقات الصحفيين وقد ذكر الكاتب الصحفي الكبير الاستاذ محمود السعدني في إحدي كتاباته عن حياه الشيخ وزهده حيث كتب يقول : أذكر مرة عندما توفي الفنان عبدالقدوس والد الاستاذ احسان عبدالقدوس أنني اتصلت على الفور بصديقي المرحوم الشيخ مصطفي اسماعيل وكان الرجل مريضا ولكنه حضر لأن الميت هو الفنان عبدالقدوس واتصلت بمقرىء آخر لاداعي لذكر اسمه فقبل الحضور على الفور ولكن بشرط ان نرسل اليه الاجر الذي حدده في منزله واضاف المقرىء اياه ..رحمه الله اذا لم يصلني المبلغ الذي حددته فلا تنتظروني !! وقلت له ..اطمئن سيكون المبلغ عندك بعد ساعة. ولم يحضر الشيخ إياه قط , لأن المبلغ لم يصل إليه حتى الان ! ولكن موقف الشيخ محمود عبدالحكم كان يختلف , عندما اتصلت به لم يسأل عن الميت ولكنه سأل فقط عن العنوان وكان أول من حضر وآخر من انصرف , ورفض أن يتقاضي أجر وقال لقد اسعدنا عبدالقدوس في حياته وأنا الان أرد له بعض الدين! وماقاله الاستاذ السعدني يؤكد لحضرتك كيف كان زهد الشيخ محمود عبدالحكم في عرض الدنيا الزائل حتى أنه لم يكن يشاهده أحد خارج البيت سوي بالمسجد الذي كان يصلي فيه أو السرادقات التي كان يدعي اليها.
• كيف كانت علاقة الشيخ مع أهل بيته ؟ وهل كان لشرف تلاوته كتاب الله أثرا في تربية أبنائه وهل منهم من ورث حلاوة صوته في التلاوة ؟
– كان الشيخ رحمه الله حلو العشرة دمس الخلق هاديء الطبع لا يحب المظاهر يقضي وقته كله بين أمرين خدمة كتاب الله وخدمة أولاده وحسن تربيته والحنو عليهم مقبلا على طاعات الله التي ربي عليها اولاده الثمانية وجميعهم يحفظون كتاب الله ..و علي الرغم من حلاوة صوت البعض منهم الا انه لم يجبرهم لكي يصبحوا مثله وترك لكل واحد منهم حرية الاختيار حسب ميوله ..أكبرهم المهندس حسين وصوته أكثر أصوات أبنائه حلاوة وجمالا وكان الشيخ يقول أنه يصلح قارئا ممتازا إذا أحترف القرآءة يليه محمد وهو ضابط بالقوات المسلحة ثم الدكتور عبدالمنعم وقد أخذ حلاوة الصوت أيضا من والده وكثيرا ما افتتح الحفلات المدرسية والجامعيه بالتلاوة بصوته ثم المحاسب محمود هذا بالنسبة لأبنائه من الذكور أما الاناث فقد تزوجت كبراهن من محدثك وتزوجت الثانية من الحاج سعودي المنشاوي نجل المقرىء الشيخ محمد صديق المنشاوي والثالثة تزوجت من المهندس الزراعي حسن شورى ببنك التنمية والائتمان والاخيرة تزوجت من الدكتور عمر المنشاوي وقد نشأ أولاده الثمانية جميعا نشأة دينية ورباهم أحسن تربية ولم يحدث يوما أن غضب منه أولاده بل كانوا يحبون الجلوس إليه والاستماع إلى توجيهاته وقد ترك لهم الحرية في اختيار مايناسب شئون حياتهم مع إرشادهم لما يراه صوابا وخيرا لهم فكان مثال الأب الذي يعامل أولاده معاملة الأخوة والصداقة فكان نعم الأب ونعم الصديق ونعم القدوة وظل علاقته بهم كذلك حتى آخر أيام حياته.
• الأستاذ محمود صادق ..ماذا عن تكريم الدولة للشيخ محمود عبدالحكم ؟
– منحه الرئيس مبارك نوط الامتياز في الاحتفال الديني الكبير الذي أقامته وزارة الأوقاف إحتفالا بليلة القدر في شهر رمضان الماضي عام 1412 ه بتاريخ 20 / 3 / 1992 م وقد تسلم النوط نجله المهندس حسين محمود عبدالحكم .
© islamophile.org 1998 - 2024. Tous droits réservés.
Toute reproduction interdite (y compris sur internet), sauf avec notre accord explicite. Usage personnel autorisé.
Les opinions exprimées sur le site islamophile.org sont celles de leurs auteurs. Exprimées dans diverses langues étrangères, ces opinions sont mises à la portée des lecteurs francophones par nos soins, à des fins d'information, de connaissance et de respect mutuels entre les différentes cultures et religions du monde.